بسم الله الرحمن الرحيم
الزاوية ...........
كفاح حمده ضد الجدار !!
أحفاد عمر بن الخطاب يخوضون انتفاضة سلمية لوقف بناء جدار الفصل العنصري
عند آذان الفجر استيقظت حمده عودة موقدة (68 عاما) على دبيب محركات جرا فات ضخمة ومخيفة. ألقت نظرة خاطفة من شباك منزلها فرأت الجرافات وهي تتموقع في أماكن مختلفة ومنها جرافة لم تبعد عن باحة منزلها أكثر من مائة وخمسون مترا. صدرت عن حمده أصوات اختلطت بين إيقاظ أولادها وزوجها وجيرانها والوطاة .. الوطاة .. الأرض.. الأرض.
ومنذ الثامن من حزيران 2004، وحتى كتابة هذا التقرير انخرطت الحاجة حمده مع مئات بل وآلاف النساء والرجال من قريتها الزاوية والقرى المجاورة: مسحة، رافات، مرده، اسكاكا ودير بلوط جنوب غرب مدينة سلفيت في كفاح ضار من أجل الدفاع عن أرضها وحمايتها من أنياب الجرافات الإسرائيلية التي اندفعت إلى المنطقة بعد ساعات قليلة من مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي على إعادة نشر القوات الإسرائيلية في غزة والبدء بتفكيك مستوطناتها.
كفاح حمده، كفاح الشعب..
لم تعلم حمده وجاراتها من نسوة ومزارعات البلدات المجاورة أنهن ورجالهن، وممتلكاتهم وبخاصة كروم الزيتون صاروا جزءا من لعبة السياسة الإسرائيلية. الكرم والزيت هما مصدر الدخل الوحيد لعائلة حمده. وتتباهى السيدة القروية بأن منتوج كرمها من الزيت وفر لها مصروفات وتكاليف أربع زيارات للديار الحجازية لتأدية فريضة الحج.
كانت حمده جسورة وتبعتها الأخريات في مقارعة الجنود الإسرائيليون. وقفت أمام الجرافة ورفعت كفوف يديها الاثنتين صارخة في وجه سائق الجرافة، القابع في كابينة القيادة التي لا يخترقها الرصاص: "لا! قف! لا تقلع! شو عاملتلك الزيتونة: حرام عليك .. " بكت المتضامنات من حركة السلام الأوروبية والإسرائيلية. الفتيات الجامعيات الفلسطينيات والقرويات وربات البيوت بكين أيضا، لكنهن سرعان ما تغلبن على مشاعرهن وصرن يصرخن: "توقف يا ابن الكلب !" و"أوقف (الجرافة) المخسوفة اللعينة!". بعضهن رشقن الحجارة. الجرافة توقفت قليلا لكن حمده قعدت في مغرافها.
مشهد حمده ورفيقاتها الفلسطينيات والأوروبيات وبعض الإسرائيليات، (من حركات تدعم السلام العادل) وهن يتصارعن ويتقاتلن مع الجرافات والجنود الإسرائيليين، ومعهن وإلى جانبهن الكهول والرجال والشباب وحتى الأولاد وطالبات المدارس، تكرر مئات المرات في الزاوية ودير بلوط واسكاكا. وباتت مشاهد العراك والالتحام بالأيدي والأرجل مع الجنود الإسرائيليين مألوفة أمام عدسات التلفزة وموثقة في صور وزعتها وسائل الأعلام العالمية والمحلية. وقد أثار ذلك أعصاب قادة الجنود الذين لم يمنعوا جنودهم من التعرض للمصورين الصحفيين مما أدى إلى إصابة علاء بدارنة مصور الوكالة الأوروبية وعبد الرحيم قوصيني مصور رويتر وجعفر اشتيه مصور الوكالة الفرنسية بينما كانوا يقومون بعملهم المهني في تغطية صدامات ومواجهات قرية الزاوية.
وقد أصدرت منظمة صحافيون بدون حدود الفرنسية الدولية بيانا دانت فيه التعرض للصحفيين وطالبت بوقفها. وتحاول القوات الإسرائيلية معززة بالأسلحة والهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع المستخدم بكثافة إخماد الاحتجاجات الشعبية السلمية، لكن بدون جدوى كما لاحظ المراسلون والصحفيون.
ومنذ أن انخرطت الحاجة حمده في حملة الاحتجاجات، يشعر الأهالي أنهم يعيشون حالة انتفاضة شعبية سلمية حقيقية حيث الجيش هو الطرف الوحيد الذي يستخدم الأسلحة والهراوات والغاز المسيل للدموع.
وقال الدكتور عبد الرحيم الرابي طبيب العيادة الصحية الأولية في القرية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية: " توجد هنا ثورة شعبية. الناس لم يبق لها شيء لتخاف عليه".
الجدار يسلخ حديقة منزل..
ويؤكد هذه الحقيقة المرعبة ريان عبدالله جبر 63 سنة، من قرية الزاوية الذي أتى الجدار على ما تبقى من أرضه والبالغ مساحتها 46 دونما مغروسة بأشجار الزيتون والتين المثمرة. وقال: "في أوسط التسعينات سلخت سلطات الاحتلال ثلث مساحة الأرض لأنها تحاذي الشارع الاستراتيجي المسمى بعابر السامرة الذي يربط المستوطنات اليهودية المقامة في المنطقة فيما بينها وكذلك مع داخل الخط الأخضر. منعونا من الوصول إليها أو من قطف ثمارها. أنها تبعد 140 مترا فقط من الشارع". وأضاف جبر القول: "وعندما قام المساحون الإسرائيليون برسم نقاط وأشارات للجرف، فقد وصلوا إلى مشارف بيت ابنتي المتزوجة زاهية أحمد قادوس. وسلخوا من حديقة منزلها 50 مترا. أما بقية الأرض، فوفقا لمخطط الجدار، ستكون في الجهة الغربية منه. وهذا يعني حرماننا كليا من رزقها أو العناية بها".
وهناك عائلات تشكل نسبة كبيرة من السكان لم يبق لها شبر واحد من الأرض.
يحاصر خلايا النحل..
من ناحية ثانية، قال مربون للنحل، أن الجدار سيفصلهم كليا عن المنطقة الغربية التي تنتشر فيها زهرة القنديل التي تشكل أفضل غذاء للنحل. كذلك سيبتلع الجدار ورائه مراعي القرية. وكانت سلطات الاحتلال قد صادرت من القرية في عام 1968 واحد من أكبر الآبار الارتوازية. وذكر ريان جبر أن عمق المياه في البئر تصل إلى 80 مترا.
أهلها من سلالة عمر بن الخطاب..
تقع قرية الزاوية بمحاذاة الخط الأخضر وتبعد 4 كيلو مترات فقط من بلدة كفر قاسم الموجودة داخل إسرائيل. واسمها الهندسي يعكس موقعها الجغرافي. ترتفع عن سطح البحر 815 قدم ويتباهى أهلها بأنهم من سلالة الخليفة الإسلامي الثاني عمر بن الخطاب. ويوجد على بعد عدة أمتار من مبنى البلدية مقاما مهجورا يعرفه أهل القرية بأنه المقام العمري. ويبلغ عدد سكانها 6000 نسمة.
لن يستسلموا للجدار..
وقال رئيس مجلسها القروي طالب رداد (47 عاماً): "الناس هنا يعيشون حالة صدمة. جرف أراضيهم لبناء الجدار العنصري يعني: تخريب ممتلكاتهم وقطع أرزاقهم وتحويل مزارعي الزيتون من منتجين للزيت إلى مستهلكين".
وأضاف مسؤول المجلس المحلي الذي يساهم بتنسيق مظاهرات الاحتجاج مع لجان ومؤسسات أخرى وتعرض لأكثر من مرة للضرب بهراوات الجنود: "أعمال جرف الأراضي شملت في الأسابيع الثلاثة الماضية مساحات من الأراضي بطول أربع كيلومترات ونصف بعرض مائة متر. وتغطي لاحقا من 18000 – 20000 دونما مزروعة بأشجار الزيتون المثمر. وهذا يعني مصادرة 92% من أراضي القرية. معظم الأراضي ستكون وراء الجدار من حدود 1967. هذا يعني ببساطة تدمير مصادر الدخل للمزارعين وعزل الأراضي من وراء الجدار والإسرائيليون يقررون مصيرها."
كانت الزاوية مثل باقي جاراتها من القرى والبلدات الفلسطينية الواقعة غرب مدينة سلفيت، تعتمد في دخلها قبل بدء الانتفاضة في عام 2000 على عمل العمال من أبنائها داخل الخط الأخضر. وقد توقف عمل العمال بعد إغلاق المناطق الفلسطينية خسر الناس وهذا مرفوض قطعا والناس قررت التعبير عن سخطها واحتجاجها لأن إسرائيل لم تترك لهم شيئا لمواصلة العيش.
وذكرت مصادر مسؤولة في بلديات الزاوية ودير بلوط واسكاكا أن الجرافات جرفت ألف دونم مغروسة بالزيتون من أصل 81 ألف دونم مهددة بالمصادرة أو الجرف. وأضافت المصادر: "أن الجدار سيلتف حو ل دير بلوط من ثلاث جهات وسيلتهم 90% من أراضيها." وفي اسكاكا فأن أعمال التجريف تتم في منطقة تبعد عن المنازل أقل من 500 متر. لقد اقتلعت الجرافات نحو 200 شجرة زيتون منذ بدء الحملة في الثامن من حزيران الماضي.
توظيف الغاز المدمع ضد المتظاهرين !
و أشار الدكتور عبد الرحيم الرابي إلى أن أكثر من 600 شخصا أصيبوا و عولجوا جراء استنشاقهم للغاز أو التعرض للضرب. و استدرك ،" علما أن إمكانيات العيادة بسيطة جدا . والقرية فقيرة ومعزولة عن الخدمات الأساسية و مداخلها مغلقة بسواتر ترابية. لا توجد أسرة عندنا و لا لوازم مضادة للغاز . و اضطررنا إلى استعمال اسطوانات أكسجين تخص ورش الحدادة."
واتهم عبد الله أبو زر 35 عاما ( من سكان قرية الزاوية ) الجيش الإسرائيلي بالتسبب بإجهاض زوجته حنان أبو زر 29 عاما الحامل في شهرها التاسع نتيجة تعرضها لاستنشاق الغاز في التاسع من حزيران عندما قام الجيش بتفريق المتظاهرين ضد الجدار و مصادرة أراضيهم. ( جريدة القدس 17/6/2004)
وأشارت المصادر الطبية الفلسطينية إلى استعمال الجنود لغاز شديد التأثير ضد المتظاهرين . وعاني الذي يصاب به من تشنجات قوية و إغماءات مؤقتة و اتساع في حدقات العين لدرجة لا يستطيع الرؤية بوضوح و هبوط مركز في التنفس.
و قال الدكتور الرابي، “انه غاز شديد المفعول وغريب و لكن ليس لدينا الإمكانيات لتحليله للبرهنة على استهتار مستخدميه من الجنود و انتهاكهم للمواثيق الإنسانية الدولية التي تحرم استخدامه." وأشار الرابي أنه شاهد بنفسه الجنود و هم يضعون الأقنعة الواقية ، كتلك التي وزعتها إسرائيل عشية وقوع الهجمات الأمريكية على العراق، عندما يرشقون قنابل الغاز. و قال شهود عيان آخرون أن الجنود كانوا يجمعون عبوات القنابل بعد استخدامها مما عزز شكوك الفلسطينيين بخطورتها .
وتقوم الجرافات العملاقة بالعمل بدون توقف طوال ساعات الليل و النهار. ويوم السبت هو اليوم الوحيد الذي تتوقف فيه الجرافات عن العمل .
وفي أكثر من مناقشة بين المحتجين والمتظاهرين طالبت أصوات بتوسيع دائرة الاحتجاج لتشمل المصانع الأمريكية المنتجة لجرا فات كاتر بيلار العملاقة من نوع D9 و D10 العاملة في أراضي الزاوية . فيما أكد مؤازرون على تجنيد مؤسسات حقوقية لرفع شكوى وإعطاء زخم للاحتجاج السلمي المتواصل. وبالفعل قام رئيس البلدية بتوكيل مركز القدس للمساعدات القانونية لرفع شكوى للمحكمة العليا الإسرائيلية و الطلب منها بوقف أعمال الجرف.
وكانت وكالة أنباء الأسوشيتدبرس قد نقلت أن جين زيغلر الخبير القانوني السويسري بعث برسالة في 28 أيار إلى الرئيس التنفيذي لشركة كاتر بيلار ، جيمس أوين عبر فيها عن قلقه من توظيف الجيش الإسرائيلي لجرا فات تنتجها الشركة و تسبب دمارا وخرابا كبيرين لأراضي الفلسطينيين وتعرقل حصولهم على الغذاء. (صحيفة القدس 17/6/2004).
ذاكرة حمده ..!
أصيبت الحاجة حمده، التي تظهر الخشونة في ملامس كفيها تدل على عنايتها بأشجار كرمها، مثل المئات ، بإغماءات متقطعة بسبب الغاز .
قال لها الطبيب عبد الرحيم الرابي ،" عليك إن تخلدي لبعض الهدوء في البيت." رقدت على السرير بعض الوقت ، لكنها لم تلتزم بذلك طول الوقت . وقد لاحظ أحد أبنائها غيابها عند صلاة الفجر . وبعد ثلاث ساعات و نصف وجدوها في كرم الزيتون قاعدة على صخرة تتأمل تارة بالأشجار التي اقتلعتها الجرافة وتلك التي ما زالت واقفة .اختلف الجيران بالتفسير و منهم من قال: "هذا من تأثير الغاز المسيل للدموع انه يضرب الذاكرة. و حمده تضررت ذاكرتها منذ استنشاقها لذاك الغاز اللعين. لم يوافق آخرون و منهم رئيس المجلس القروي و الطبيب الرابي على هذا التحليل وقالوا: "ذاكرة حمده أقوى منّا جميعا. لقد استغلت توقف الجرافات عن العمل يوم السبت لتقوم بزيارة من تحب. وهي تخشى من فقدانها ."
ما تعلمه حمده أنها ستكافح كي لا تقتلع البلدوزرات أشجار الزيتون من كرمها.
وتقول: "لقد أفنيت عمري في رعاية حياتي وأولادي و زيتوناتي. أنا اعرف كل شجرة وحتى عدد أوراقها. الزيتونات غاليين مثل أولادي. سأقاتل من أجل حمايتها حتى لو كلفني ذلك حياتي. أذا ما قلع الإسرائيليون الزيتونات لا يبق شيء نخسره أفضل أن أموت شهيدة فداء لشجر الزيتون من أن أموت لوعة وحزنا على فقدانها."
أخبار مفرحة..
بعد أيام من رفع الشكوى للمحكمة العليا الإسرائيلية بواسطة المحامي سليمان شاهين، أصدرت المحكمة قرارا بوقف أعمال الجرف. وتوقفت الجرافات عن العمل يوم الجمعة. وأثار القرار البهجة والسرور في أوساط أهالي الزاوية و أصدقائهم وحلفائهم وجيرانهم ، كما قال رئيس البلدية طالب رداد. وأضاف أنها خطوة هامة جدا على طريق مواصلة العمل والنضال للدفاع عن الأراضي وحمايتها من المصادرة والجدار ألعنصري.
ويستعد الأهالي و البلدية لتحضير الملفات والمعطيات المطلوبة لمواصلة المعركة قانونيا بدون أن يكون لديهم الوهم بان قرار "العليا" هو نهاية المطاف .
الزاوية ...........
كفاح حمده ضد الجدار !!
أحفاد عمر بن الخطاب يخوضون انتفاضة سلمية لوقف بناء جدار الفصل العنصري
عند آذان الفجر استيقظت حمده عودة موقدة (68 عاما) على دبيب محركات جرا فات ضخمة ومخيفة. ألقت نظرة خاطفة من شباك منزلها فرأت الجرافات وهي تتموقع في أماكن مختلفة ومنها جرافة لم تبعد عن باحة منزلها أكثر من مائة وخمسون مترا. صدرت عن حمده أصوات اختلطت بين إيقاظ أولادها وزوجها وجيرانها والوطاة .. الوطاة .. الأرض.. الأرض.
ومنذ الثامن من حزيران 2004، وحتى كتابة هذا التقرير انخرطت الحاجة حمده مع مئات بل وآلاف النساء والرجال من قريتها الزاوية والقرى المجاورة: مسحة، رافات، مرده، اسكاكا ودير بلوط جنوب غرب مدينة سلفيت في كفاح ضار من أجل الدفاع عن أرضها وحمايتها من أنياب الجرافات الإسرائيلية التي اندفعت إلى المنطقة بعد ساعات قليلة من مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي على إعادة نشر القوات الإسرائيلية في غزة والبدء بتفكيك مستوطناتها.
كفاح حمده، كفاح الشعب..
لم تعلم حمده وجاراتها من نسوة ومزارعات البلدات المجاورة أنهن ورجالهن، وممتلكاتهم وبخاصة كروم الزيتون صاروا جزءا من لعبة السياسة الإسرائيلية. الكرم والزيت هما مصدر الدخل الوحيد لعائلة حمده. وتتباهى السيدة القروية بأن منتوج كرمها من الزيت وفر لها مصروفات وتكاليف أربع زيارات للديار الحجازية لتأدية فريضة الحج.
كانت حمده جسورة وتبعتها الأخريات في مقارعة الجنود الإسرائيليون. وقفت أمام الجرافة ورفعت كفوف يديها الاثنتين صارخة في وجه سائق الجرافة، القابع في كابينة القيادة التي لا يخترقها الرصاص: "لا! قف! لا تقلع! شو عاملتلك الزيتونة: حرام عليك .. " بكت المتضامنات من حركة السلام الأوروبية والإسرائيلية. الفتيات الجامعيات الفلسطينيات والقرويات وربات البيوت بكين أيضا، لكنهن سرعان ما تغلبن على مشاعرهن وصرن يصرخن: "توقف يا ابن الكلب !" و"أوقف (الجرافة) المخسوفة اللعينة!". بعضهن رشقن الحجارة. الجرافة توقفت قليلا لكن حمده قعدت في مغرافها.
مشهد حمده ورفيقاتها الفلسطينيات والأوروبيات وبعض الإسرائيليات، (من حركات تدعم السلام العادل) وهن يتصارعن ويتقاتلن مع الجرافات والجنود الإسرائيليين، ومعهن وإلى جانبهن الكهول والرجال والشباب وحتى الأولاد وطالبات المدارس، تكرر مئات المرات في الزاوية ودير بلوط واسكاكا. وباتت مشاهد العراك والالتحام بالأيدي والأرجل مع الجنود الإسرائيليين مألوفة أمام عدسات التلفزة وموثقة في صور وزعتها وسائل الأعلام العالمية والمحلية. وقد أثار ذلك أعصاب قادة الجنود الذين لم يمنعوا جنودهم من التعرض للمصورين الصحفيين مما أدى إلى إصابة علاء بدارنة مصور الوكالة الأوروبية وعبد الرحيم قوصيني مصور رويتر وجعفر اشتيه مصور الوكالة الفرنسية بينما كانوا يقومون بعملهم المهني في تغطية صدامات ومواجهات قرية الزاوية.
وقد أصدرت منظمة صحافيون بدون حدود الفرنسية الدولية بيانا دانت فيه التعرض للصحفيين وطالبت بوقفها. وتحاول القوات الإسرائيلية معززة بالأسلحة والهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع المستخدم بكثافة إخماد الاحتجاجات الشعبية السلمية، لكن بدون جدوى كما لاحظ المراسلون والصحفيون.
ومنذ أن انخرطت الحاجة حمده في حملة الاحتجاجات، يشعر الأهالي أنهم يعيشون حالة انتفاضة شعبية سلمية حقيقية حيث الجيش هو الطرف الوحيد الذي يستخدم الأسلحة والهراوات والغاز المسيل للدموع.
وقال الدكتور عبد الرحيم الرابي طبيب العيادة الصحية الأولية في القرية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية: " توجد هنا ثورة شعبية. الناس لم يبق لها شيء لتخاف عليه".
الجدار يسلخ حديقة منزل..
ويؤكد هذه الحقيقة المرعبة ريان عبدالله جبر 63 سنة، من قرية الزاوية الذي أتى الجدار على ما تبقى من أرضه والبالغ مساحتها 46 دونما مغروسة بأشجار الزيتون والتين المثمرة. وقال: "في أوسط التسعينات سلخت سلطات الاحتلال ثلث مساحة الأرض لأنها تحاذي الشارع الاستراتيجي المسمى بعابر السامرة الذي يربط المستوطنات اليهودية المقامة في المنطقة فيما بينها وكذلك مع داخل الخط الأخضر. منعونا من الوصول إليها أو من قطف ثمارها. أنها تبعد 140 مترا فقط من الشارع". وأضاف جبر القول: "وعندما قام المساحون الإسرائيليون برسم نقاط وأشارات للجرف، فقد وصلوا إلى مشارف بيت ابنتي المتزوجة زاهية أحمد قادوس. وسلخوا من حديقة منزلها 50 مترا. أما بقية الأرض، فوفقا لمخطط الجدار، ستكون في الجهة الغربية منه. وهذا يعني حرماننا كليا من رزقها أو العناية بها".
وهناك عائلات تشكل نسبة كبيرة من السكان لم يبق لها شبر واحد من الأرض.
يحاصر خلايا النحل..
من ناحية ثانية، قال مربون للنحل، أن الجدار سيفصلهم كليا عن المنطقة الغربية التي تنتشر فيها زهرة القنديل التي تشكل أفضل غذاء للنحل. كذلك سيبتلع الجدار ورائه مراعي القرية. وكانت سلطات الاحتلال قد صادرت من القرية في عام 1968 واحد من أكبر الآبار الارتوازية. وذكر ريان جبر أن عمق المياه في البئر تصل إلى 80 مترا.
أهلها من سلالة عمر بن الخطاب..
تقع قرية الزاوية بمحاذاة الخط الأخضر وتبعد 4 كيلو مترات فقط من بلدة كفر قاسم الموجودة داخل إسرائيل. واسمها الهندسي يعكس موقعها الجغرافي. ترتفع عن سطح البحر 815 قدم ويتباهى أهلها بأنهم من سلالة الخليفة الإسلامي الثاني عمر بن الخطاب. ويوجد على بعد عدة أمتار من مبنى البلدية مقاما مهجورا يعرفه أهل القرية بأنه المقام العمري. ويبلغ عدد سكانها 6000 نسمة.
لن يستسلموا للجدار..
وقال رئيس مجلسها القروي طالب رداد (47 عاماً): "الناس هنا يعيشون حالة صدمة. جرف أراضيهم لبناء الجدار العنصري يعني: تخريب ممتلكاتهم وقطع أرزاقهم وتحويل مزارعي الزيتون من منتجين للزيت إلى مستهلكين".
وأضاف مسؤول المجلس المحلي الذي يساهم بتنسيق مظاهرات الاحتجاج مع لجان ومؤسسات أخرى وتعرض لأكثر من مرة للضرب بهراوات الجنود: "أعمال جرف الأراضي شملت في الأسابيع الثلاثة الماضية مساحات من الأراضي بطول أربع كيلومترات ونصف بعرض مائة متر. وتغطي لاحقا من 18000 – 20000 دونما مزروعة بأشجار الزيتون المثمر. وهذا يعني مصادرة 92% من أراضي القرية. معظم الأراضي ستكون وراء الجدار من حدود 1967. هذا يعني ببساطة تدمير مصادر الدخل للمزارعين وعزل الأراضي من وراء الجدار والإسرائيليون يقررون مصيرها."
كانت الزاوية مثل باقي جاراتها من القرى والبلدات الفلسطينية الواقعة غرب مدينة سلفيت، تعتمد في دخلها قبل بدء الانتفاضة في عام 2000 على عمل العمال من أبنائها داخل الخط الأخضر. وقد توقف عمل العمال بعد إغلاق المناطق الفلسطينية خسر الناس وهذا مرفوض قطعا والناس قررت التعبير عن سخطها واحتجاجها لأن إسرائيل لم تترك لهم شيئا لمواصلة العيش.
وذكرت مصادر مسؤولة في بلديات الزاوية ودير بلوط واسكاكا أن الجرافات جرفت ألف دونم مغروسة بالزيتون من أصل 81 ألف دونم مهددة بالمصادرة أو الجرف. وأضافت المصادر: "أن الجدار سيلتف حو ل دير بلوط من ثلاث جهات وسيلتهم 90% من أراضيها." وفي اسكاكا فأن أعمال التجريف تتم في منطقة تبعد عن المنازل أقل من 500 متر. لقد اقتلعت الجرافات نحو 200 شجرة زيتون منذ بدء الحملة في الثامن من حزيران الماضي.
توظيف الغاز المدمع ضد المتظاهرين !
و أشار الدكتور عبد الرحيم الرابي إلى أن أكثر من 600 شخصا أصيبوا و عولجوا جراء استنشاقهم للغاز أو التعرض للضرب. و استدرك ،" علما أن إمكانيات العيادة بسيطة جدا . والقرية فقيرة ومعزولة عن الخدمات الأساسية و مداخلها مغلقة بسواتر ترابية. لا توجد أسرة عندنا و لا لوازم مضادة للغاز . و اضطررنا إلى استعمال اسطوانات أكسجين تخص ورش الحدادة."
واتهم عبد الله أبو زر 35 عاما ( من سكان قرية الزاوية ) الجيش الإسرائيلي بالتسبب بإجهاض زوجته حنان أبو زر 29 عاما الحامل في شهرها التاسع نتيجة تعرضها لاستنشاق الغاز في التاسع من حزيران عندما قام الجيش بتفريق المتظاهرين ضد الجدار و مصادرة أراضيهم. ( جريدة القدس 17/6/2004)
وأشارت المصادر الطبية الفلسطينية إلى استعمال الجنود لغاز شديد التأثير ضد المتظاهرين . وعاني الذي يصاب به من تشنجات قوية و إغماءات مؤقتة و اتساع في حدقات العين لدرجة لا يستطيع الرؤية بوضوح و هبوط مركز في التنفس.
و قال الدكتور الرابي، “انه غاز شديد المفعول وغريب و لكن ليس لدينا الإمكانيات لتحليله للبرهنة على استهتار مستخدميه من الجنود و انتهاكهم للمواثيق الإنسانية الدولية التي تحرم استخدامه." وأشار الرابي أنه شاهد بنفسه الجنود و هم يضعون الأقنعة الواقية ، كتلك التي وزعتها إسرائيل عشية وقوع الهجمات الأمريكية على العراق، عندما يرشقون قنابل الغاز. و قال شهود عيان آخرون أن الجنود كانوا يجمعون عبوات القنابل بعد استخدامها مما عزز شكوك الفلسطينيين بخطورتها .
وتقوم الجرافات العملاقة بالعمل بدون توقف طوال ساعات الليل و النهار. ويوم السبت هو اليوم الوحيد الذي تتوقف فيه الجرافات عن العمل .
وفي أكثر من مناقشة بين المحتجين والمتظاهرين طالبت أصوات بتوسيع دائرة الاحتجاج لتشمل المصانع الأمريكية المنتجة لجرا فات كاتر بيلار العملاقة من نوع D9 و D10 العاملة في أراضي الزاوية . فيما أكد مؤازرون على تجنيد مؤسسات حقوقية لرفع شكوى وإعطاء زخم للاحتجاج السلمي المتواصل. وبالفعل قام رئيس البلدية بتوكيل مركز القدس للمساعدات القانونية لرفع شكوى للمحكمة العليا الإسرائيلية و الطلب منها بوقف أعمال الجرف.
وكانت وكالة أنباء الأسوشيتدبرس قد نقلت أن جين زيغلر الخبير القانوني السويسري بعث برسالة في 28 أيار إلى الرئيس التنفيذي لشركة كاتر بيلار ، جيمس أوين عبر فيها عن قلقه من توظيف الجيش الإسرائيلي لجرا فات تنتجها الشركة و تسبب دمارا وخرابا كبيرين لأراضي الفلسطينيين وتعرقل حصولهم على الغذاء. (صحيفة القدس 17/6/2004).
ذاكرة حمده ..!
أصيبت الحاجة حمده، التي تظهر الخشونة في ملامس كفيها تدل على عنايتها بأشجار كرمها، مثل المئات ، بإغماءات متقطعة بسبب الغاز .
قال لها الطبيب عبد الرحيم الرابي ،" عليك إن تخلدي لبعض الهدوء في البيت." رقدت على السرير بعض الوقت ، لكنها لم تلتزم بذلك طول الوقت . وقد لاحظ أحد أبنائها غيابها عند صلاة الفجر . وبعد ثلاث ساعات و نصف وجدوها في كرم الزيتون قاعدة على صخرة تتأمل تارة بالأشجار التي اقتلعتها الجرافة وتلك التي ما زالت واقفة .اختلف الجيران بالتفسير و منهم من قال: "هذا من تأثير الغاز المسيل للدموع انه يضرب الذاكرة. و حمده تضررت ذاكرتها منذ استنشاقها لذاك الغاز اللعين. لم يوافق آخرون و منهم رئيس المجلس القروي و الطبيب الرابي على هذا التحليل وقالوا: "ذاكرة حمده أقوى منّا جميعا. لقد استغلت توقف الجرافات عن العمل يوم السبت لتقوم بزيارة من تحب. وهي تخشى من فقدانها ."
ما تعلمه حمده أنها ستكافح كي لا تقتلع البلدوزرات أشجار الزيتون من كرمها.
وتقول: "لقد أفنيت عمري في رعاية حياتي وأولادي و زيتوناتي. أنا اعرف كل شجرة وحتى عدد أوراقها. الزيتونات غاليين مثل أولادي. سأقاتل من أجل حمايتها حتى لو كلفني ذلك حياتي. أذا ما قلع الإسرائيليون الزيتونات لا يبق شيء نخسره أفضل أن أموت شهيدة فداء لشجر الزيتون من أن أموت لوعة وحزنا على فقدانها."
أخبار مفرحة..
بعد أيام من رفع الشكوى للمحكمة العليا الإسرائيلية بواسطة المحامي سليمان شاهين، أصدرت المحكمة قرارا بوقف أعمال الجرف. وتوقفت الجرافات عن العمل يوم الجمعة. وأثار القرار البهجة والسرور في أوساط أهالي الزاوية و أصدقائهم وحلفائهم وجيرانهم ، كما قال رئيس البلدية طالب رداد. وأضاف أنها خطوة هامة جدا على طريق مواصلة العمل والنضال للدفاع عن الأراضي وحمايتها من المصادرة والجدار ألعنصري.
ويستعد الأهالي و البلدية لتحضير الملفات والمعطيات المطلوبة لمواصلة المعركة قانونيا بدون أن يكون لديهم الوهم بان قرار "العليا" هو نهاية المطاف .